مقدمة:
ينطوي الحقل الدلالي لمفهوم الحقيقة على معان متعددة تشمل مستويات عدة..فالحقيقة تستخدم بمعنى الشيء الواقعي الموجود وجودا فعليا مقابل الخيال أوالوهم، وبمعنى الجوهر أو الماهية الثابتة مقابل الأعراض المتغيرة الزائلة (الدلالة الأنطولوجية).. كما تعني الحقيقة الحكم الصائب أو الصادق مقابل الخطأ أو الكذب (الدلالة المنطقية أو المعرفية)، إضافة إلى ما تعنيه الحقيقة في مجال اللغة بوصفها المعنى الثابت للفظ مقابل المجاز الذي يمثل المعنى المتغير أو المتحول… وهذا التعدد الدلالي جعل
مفهوم الحقيقة يتسم بطابع إشكالي من حيث تكامله مع مفاهيم معينة (الواقع - الحكم - الماهية - الثبات..)، أو تعارضه مع أخرى (الخطأ - الوهم والكذب - المتغير..)،الشيء الذي يفسر كون "الحقيقة" قد شكلت مجالا للتناول الفلسفي والعلمي (أو الإبستيمولوجي) بغاية تحديد طبيعتها ومصادرها ومقاييسها وقيمتها…
· فما هي الطرق التي تضمن بلوغ الحقيقة ؟
· وما هي المعايير التي تتحدد وفقها الحقيقة ؟
· وما الذي يجعل من الحقيقة قيمة بالنسبة للإنسان ؟
المحور الأول : الـــرأي والحقيـقـــة
مفهوم الحقيقة يتسم بطابع إشكالي من حيث تكامله مع مفاهيم معينة (الواقع - الحكم - الماهية - الثبات..)، أو تعارضه مع أخرى (الخطأ - الوهم والكذب - المتغير..)،الشيء الذي يفسر كون "الحقيقة" قد شكلت مجالا للتناول الفلسفي والعلمي (أو الإبستيمولوجي) بغاية تحديد طبيعتها ومصادرها ومقاييسها وقيمتها…
· فما هي الطرق التي تضمن بلوغ الحقيقة ؟
· وما هي المعايير التي تتحدد وفقها الحقيقة ؟
· وما الذي يجعل من الحقيقة قيمة بالنسبة للإنسان ؟
المحور الأول : الـــرأي والحقيـقـــة
الرأي هو انطباع شخصي يكونه الفرد بناءا على إدراكه الحسي المباشر ومن ثمة فهو يعكس التجربة العامية والمشتركة بين الناس. ولذلك فهو ليس نتاجا عن تفكير أو تأمل عقلي، مما يجعله عائقا أمام تكوين معرفة حقيقية. وهكذا نصطدم بالسؤال التالي: كيف يمكن بناء الحقيقة بتخليصها من باديء الرأي أو الرأي المشترك؟ وما هو الطريق الأنجع لبلوغها ؟ التأمل العقلي أم الحدس الوجداني ؟ وما قيمة الرأي في علاقته مع الحقيقةعموما، ومع الحقيقة العلمية خصوصا ؟
موقف رونيه ديكارت :
إن نقطة البداية عند "ديكارت" للبحث عن الحقيقة هي الشك لكن ليس من أجل الشك ولكن الشك كوسيلة لتحرير العقل منالأوهام ، والأحكام التي علقت به دون أن يتناولها بالفحص والنقد وهذا ما عبر عنه "ديكارت" في كتابه " التأملات" حين قال :"قررت أن أحرر تفسي جديا مرة في حياتي من جميع الآراء التي أمنت بها من قبل وأن أبدأ الأشياء من جديد".
هكذا شك "ديكارت" في حواسه، في خياله في عقله بل إنه ذهب بعيدا إلى افتراض " روح خبيثة " تعمل على تضليله باستمرار وأكثر من ذلك شك في وجوده ولكن وهو يشك انتبه إلى أن الشك في حقيقته تفكير، أنا أشك معناه أنا أفكر وحتى وإن شككت في كوني أشك فأنا أفكر فاليقين الأول الذي لامجال للشك فيه هو الكوجيطو " أنا أفكر إذن أنا موجود" فتفكيري إذن دليل على وجودي هي حقيقة واضحة لا لبس فيها ولا غموض فالشك اذن هو السبيل إلى الحقيقة الشك في المعرفة الحسية لأنها لاتمدنا إلا بالوهم والشك في كل معرفة موروثة لم ينشئها العقل نفسه.
إن نقطة البداية عند "ديكارت" للبحث عن الحقيقة هي الشك لكن ليس من أجل الشك ولكن الشك كوسيلة لتحرير العقل منالأوهام ، والأحكام التي علقت به دون أن يتناولها بالفحص والنقد وهذا ما عبر عنه "ديكارت" في كتابه " التأملات" حين قال :"قررت أن أحرر تفسي جديا مرة في حياتي من جميع الآراء التي أمنت بها من قبل وأن أبدأ الأشياء من جديد".
هكذا شك "ديكارت" في حواسه، في خياله في عقله بل إنه ذهب بعيدا إلى افتراض " روح خبيثة " تعمل على تضليله باستمرار وأكثر من ذلك شك في وجوده ولكن وهو يشك انتبه إلى أن الشك في حقيقته تفكير، أنا أشك معناه أنا أفكر وحتى وإن شككت في كوني أشك فأنا أفكر فاليقين الأول الذي لامجال للشك فيه هو الكوجيطو " أنا أفكر إذن أنا موجود" فتفكيري إذن دليل على وجودي هي حقيقة واضحة لا لبس فيها ولا غموض فالشك اذن هو السبيل إلى الحقيقة الشك في المعرفة الحسية لأنها لاتمدنا إلا بالوهم والشك في كل معرفة موروثة لم ينشئها العقل نفسه.
باشلار: الحقيقة العلمية قطيعة مع الرأي .
يتقابل الرأي ، بوصفه معرفة يعوزهـا اليقيـن لكونها مسـتمدة منالحـس أو الفهـم المشترك ، مع الحقيقة التي تعتبر يقيـنا مبـرهنا عليه . فـالرأي هـو المعرفــة المتداولــة التي تمتزج بالأغـراض اليومية ولا تتأسس على تفكير منهجي فتظـل بذلك مرادفـة للوهـم والظن ، وهو ما يجعلها نقيضا للحقيقة العلمية كمعرفة يتم إنتاجها وفق شروط وقواعد منهجية تضفي عليها صبغة اليقين… ويتجسد هذا التقابل عند "باشلار" الذي يرى أن الحقيقة العلمية تتعارض مع الرأي الذي ينطوي دائما على الخطأ بسبب ارتباطه بالمنافع العملية اليومية للإنسان ، بخلاف المعرفة العلمية التي لا توجهها دوافع أو أغراض نفعية. وهذا ما يجعل من الرأي "عائقا إبستيمولوجيا " يحول دون بلوغ معرفة علمية دقيقة حول الواقع ، لأن ما يمدنا به عبارة عن معرفة عامية غايتها تلبية حاجات عملية كما يشير إلى ذلك "باشلار" في قوله :" إن الرأي مخطئ. إنه يفكر تفكيرا سيئا، بل إنه لا يفكر، وإنما يترجم حاجات إلى معارف"…فالرأي يظل معرفة تلقائية تفتقر إلى التبرير العلمي ، في حين أن الحقيقة العلمية مطالبة بأن تتحرر من عيوب المعرفة العفوية المعطاة اعتمادا على منهج صارم يسمح ببناء معرفة تمثل "قطيعة إبستيمولوجية" مع الرأي.
كخلاصة ، يتبين أن طرق تحصيل الحقيقة تتنوع بقدر تنوع مجالاتها واختلاف المنظورات المعتمدة ؛ حيث يحتكر العقلالحقيقة من زاوية نظر عقلانية مثالية (أفلاطون)، ويصبح القلب موطنا لها من منظور تمتزج فيه الروح العلمية بالنزعة الدينية (باسكال)، كما أن الحقيقة العلمية يتم بناؤها على أسسمنهجية تجعلها نقيضا للرأي من منظور إبستيمولوجي باشلار.
الموقف العقلاني: ديكارت واسبينوزاDescartes,Spinoza
تعارض الحقيقة عند ديكارت مع الرأي، إذ أنها تعتمد علىالمنهج وعلى قواعد عقلية صارمة يمكن اختصارها في أربعقواعد رئيسية: البداهة، التحليل، النظام والمراجعة. وتتأسسالأفكار البديهية على مبدأ الحدس، في حين تتأسس الأفكارالأخرى على مبدأ الاستنباط. هكذا يحدد ديكارت للحقيقةمعيارين رئيسيين هما: الحدس والاستنباط. والحدس عنده هوإدراك عقلي خالص ومباشر، ينصب على أفكار بديهية ومتميزةفي الذهن بحيث لا تحتاج إلى استدلالات عقلية؛ كأن أدرك أننيموجود أو أن المثلث هو شكل ذو ثلاثة أضلاع. أما الاستنباط فهوإدراك غير مباشر للحقيقة، بموجبه يتم استخلاص حقائق جديدةمن الحقائق البديهية الأولية على نحو منطقي صارم. ولذلكفالحقائق التي يتوصل إليها عن طريق الاستنباط لا تقل أهميةويقينية عن الحقائق الحدسية الأولية، ما دامت صادرة عنهابواسطة حركة فكرية مترابطة ومتصلة تفضي إلى نتائج ضرورية.
هكذا فالحدس والاستنباط هما أساس المنهج المؤدي إلىالحقيقة. وبذلك فمعيار الحقيقة يتحدد أولا في البداهة المرتبطةبالحدس؛ إذ أن كل فكرة بديهية هي فكرة حقيقية تدرك بواسطةالحدس العقلي الخالص، كما يتحدد هذا المعيار ثانيا بواسطةالتماسك المنطقي المرتبط بالاستنباط؛ إذ أن كل فكرةمنسجمة منطقيا ومتطابقة مع قواعد الاستنباط العقلي تعتبرفكرة صحيحة ومنطقية.
وفي نفس السياق يحدد اسبينوزا معيار الحقيقة في البداهةالتي تتمثل في كون الفكرة الصحيحة تحمل يقينها في ذاتها، إذأنها تفرض نفسها على العقل بشكل واضح ومتميز لا يتطرق إليهأدنى قدر من الشك. هكذا فالحقيقة هي معيار ذاتها، وهيتشبه النور الذي ينكشف فيؤدي إلى انقشاع الظلام. من هنا يرىاسبينوزا أن الفكرة التامة هي تلك التي تملك في ذاتها كلالخصائص والعلامات الباطنية المميزة للفكرة الصحيحة.
الموقف التجريبي: جون لوك J.Locke
الموقف التجريبي: جون لوك J.Locke
إن طريق الحقيقة إذن عند "ديكارت" هو العقل كنور فطري في الإنسان العقل او الفكر وحده في منأى عن كل تجربة حسية وهذا ما يرفضه أصحاب المذهب التجريبي الذين يرون بان التجربة والحس هما المصدر الأول والمباشر لما نعلمه من حقائق وهذا ما عبر عنه أحد أقطاب هذا المذهب في انجلترا وهو "جان لوك"بقوله: " إن العقل يولد صفحة بيضاء ليس فيها أي شيء قبل التجربة وان جميع أفكارنا مستقاة من التجربة إذ لايوجد في العقل شيء إلا وقد سبق وجوده في الحس" فالتجربة وحدها هي التي تنقش في عقولنا المباديء والأفكار وهكذا فليس هناك إطلاقا معان فطرية وموروثة إذ لو كان الأمر كذلك لتساوى الناس في المعرفة في كل زمان ومكان هذا في حين نجد الناس يختلفون في ذلك كثيرا، فالأعمى لايدرك الألوان والأطفال والمعتوهون لايدركون معنى الذاتية وعدم التناقض ولا معنى الجدية
.
المحور الثالت : الحقيقة كقيمة
اشكال المحور : كيف تتحدد قيمة الحقيقة هل باعتبارها غاية في ذاتها أم بالنظر إلى كونها وسيلة لتحقيق ما يخدم الحياة الإنسانية؟ بعبارة أخرى هل تتحدد قيمتها بما هو أخلاقي أم بما هو عملي؟
اشكال المحور : كيف تتحدد قيمة الحقيقة هل باعتبارها غاية في ذاتها أم بالنظر إلى كونها وسيلة لتحقيق ما يخدم الحياة الإنسانية؟ بعبارة أخرى هل تتحدد قيمتها بما هو أخلاقي أم بما هو عملي؟
لقد أضفت الفلسفة اليونانية قيمة نظرية على الحقيقة من خلال اعتبارها "غاية في ذاتها" يسعى الإنسان من وراء امتلاكها إلى المعرفة أو القضاء على الجهل وليس لتلبية أغراض عملية. فالمبدأ الذي يستند إليه هذا الموقف هو "الحقيقة من أجلالحقيقة" كتعبير عن أهمية ما هو نظري خالص مقابل ما هو عملي نفعي..
· وفي سياق الفلسفة الحديثة، يبرز موقف"كانط" الذي يقوم على اعتبار الحقيقة واجبا أخلاقيا مطلقا يكتسي بعدا إنسانيا مجردا من المنفعة. فهو يعتبر أن الحقيقة "واجب قطعي على الإنسان تجاه كل إنسان مهما تكن جسامة الضرر الذي يمكن أن يترتب عنه بالنسبة إليه". فالحقيقة واجب ينبغي التمسك به في مطلق الأحوال وتجاه كل الناس دون مراعاة للعواقب ، لأن الغاية التي ينبغي السعي وراءها دوما هي خدمة الإنسانية جمعاء من خلال اعتبار الإنسان غاية لا وسيلة . ومن ثم يصبح الكذب ، بوصفه نقيضا مطلقا للحقيقة، رذيلة لأنه ينحرف بصاحبه عن هذا المسلك كما يتضح من قول"كانط": " الكذب مسيء للغير دائما حتى وإن لم يسيء إلى إنسان بعينه ، فهو يسيء إلى الإنسانية جمعاء".
· وفي سياق الفلسفة الحديثة، يبرز موقف"كانط" الذي يقوم على اعتبار الحقيقة واجبا أخلاقيا مطلقا يكتسي بعدا إنسانيا مجردا من المنفعة. فهو يعتبر أن الحقيقة "واجب قطعي على الإنسان تجاه كل إنسان مهما تكن جسامة الضرر الذي يمكن أن يترتب عنه بالنسبة إليه". فالحقيقة واجب ينبغي التمسك به في مطلق الأحوال وتجاه كل الناس دون مراعاة للعواقب ، لأن الغاية التي ينبغي السعي وراءها دوما هي خدمة الإنسانية جمعاء من خلال اعتبار الإنسان غاية لا وسيلة . ومن ثم يصبح الكذب ، بوصفه نقيضا مطلقا للحقيقة، رذيلة لأنه ينحرف بصاحبه عن هذا المسلك كما يتضح من قول"كانط": " الكذب مسيء للغير دائما حتى وإن لم يسيء إلى إنسان بعينه ، فهو يسيء إلى الإنسانية جمعاء".
أطروحة ويليام جيمس
يؤسس ويليام جيمس تصورا جديدا للحقيقة ينبني على أساس نظرة نفعية عملية وهكذا فجيمس على غرار نيتشه يقضي بدوره على فكرة الحقيقة المطلقة المنزهة عن كل غاية خارجية، ويؤكد عن الطابع البراغماتي للحقيقة، إذ أن قيمة هذه الأخيرة تتجلى في كل ماهو نفعي عملي ومفيد، تأكيد يعبر عنه بقوله" امتلاك أفكار صحيحةة يعني على وجه الدقة امتلاك أدوات ثمينة للعمل" من هنا يصبح معيار الحقيقة الوحيد هو صلاحيتها للعمل، والإنسان هو صانعها، وبذلك فإن الحقائق تتغير بتغير المواقف ومايصلح لكل منها، وتختفي الحقيقة الكلية الثابثة وتصبح نسبية، تختلف باختلاف المصالح وتداركها وهكذا فما يكون نافعا بالنسبة لي قد يكون ضارا بالنسبة لغيره، مما يجعل النظرية البرغماتية لا أخلاقية.
هايدجر:
ومن منظور الإتجاه الفينومينولجي ، يرى "هايدجر" أن الإنسان عندما ينصهر في الجماعة أو"الهم" يفقد كينونته الفردية ويتيه عن حقيقة ذاته ، حيث ينصرف إلى الوجود الزائف الذي هو أكثر رواجا وينسى الوجود الحقيقي. وبذلك يعتبر"هايدجر" أن الحقيقة تتقابل مع التيه كوجود زائف يختفي فيه الكائن الفرد ، ويمثل مجالا لكل ما هو مضاد للحقيقة. فقيمة الحقيقة تتجلى ، إذن ، في مدى قدرتها على تجاوز حالة التيه التي تطبع الوجود الإنساني.
ومن منظور الإتجاه الفينومينولجي ، يرى "هايدجر" أن الإنسان عندما ينصهر في الجماعة أو"الهم" يفقد كينونته الفردية ويتيه عن حقيقة ذاته ، حيث ينصرف إلى الوجود الزائف الذي هو أكثر رواجا وينسى الوجود الحقيقي. وبذلك يعتبر"هايدجر" أن الحقيقة تتقابل مع التيه كوجود زائف يختفي فيه الكائن الفرد ، ويمثل مجالا لكل ما هو مضاد للحقيقة. فقيمة الحقيقة تتجلى ، إذن ، في مدى قدرتها على تجاوز حالة التيه التي تطبع الوجود الإنساني.
خاتمة
لقد ظلت الحقيقة ومازالت هدفا وغاية لكل معرفة إنسانية فأن تكون الحقيقة غاية المعرفة معناه أنها غير موجودة وتاريخ الفلسفة – قدم نفسه على أنه السعي الدائم وراءالحقيقة، ومن هنا منبع التباين والاختلاف في تحديدها. تبعا الاختلاف الأنساق الفلسفية والمراحل التاريخية التي تأطرها. لذلك اتجهت الفلسفة المعاصرة إلى البحث في الحقيقة لا بالمعنى الحقيقة، ولكن البحث في الحقيقة من حيث قيمتها ودورها في المجتمع
Aucun commentaire: